[color=indigo][size=24][i][center]
جوانب من معالم الاهتداء في حياته صلى الله عليه وسلم :
1ـ العبادة في حياته :
للنبي صلى الله عليه وسلم شأن عظيم مع العبادة ومواصلة القلب بالله عز وجل . فهو لا يدع وقتاً يمر دون ذكر الله عز وجل وحمده وشكره . و قد كانت حياته كلها عبادة لله سبحانه ، خاطبه ربه بقوله تعالى : { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * } [ المزمل : 1 ـ 4 ] . فاستجاب لربه فقام حتى تفطرت قدماه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه ، فيقال له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " .
وعن الأسود بن يزيد قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله بالليل فقالت : (( كان ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا سمع النداء الأول (قالت ) وثب ،( ولا والله ما قالت قام ) فأفاض عليه من الماء ( ولا والله ما قالت اغتسل . وأنا أعلم ما تريد ) و إن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين )) البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم 1/510 . وكان يطيل صلاته بالليل ويناجي ربه ويدعوه ويستعين بهذا الورد الليلي في القيام بأعباء الدعوة وأمور الأمة .
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : (( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلاً ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى قريباً من قيامه )) رواه مسلم 1/536.
والإمام القدوة صلى الله عليه وسلم كان وقته عامراً بالطاعة والعبادة . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه )) رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " )) أبو داود . وكذا عن ابن عمر في الترمذي .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " البخاري . وتقول أم سلمة رضي الله عنها عن أكثر دعاء الرسول إذا كان عندها : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " الترمذي .
ولنا بهذا الإمام أسوة حسنة : فعبادة الله من صلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة وذكر وقراءة ... إلى آخرة يجب أن نقوم بها كما أمر الله ويجب أن نشعر أننا بحاجة ماسة إلى عبادة الله . إن الدرس الذي نستفيده من عبادة رسول الله هو :
أن العبادة هي الزاد الحقيقي الذي يحتاج إليه العبد في سيره إلى الله تعالى . والعبادة هي الطريق إلى ولاية الله للعبد الذي بموجبها يكون في حفظ الله ورعايته ويكون في أمان من أعدائه ففي الحديث : " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدى بأحب مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " وفي الحديث : " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ......... "
وإذا كانت العبادة بهذه المكانة في الدين ففي هذه الأزمان التي تضطرب بالفتن والمغريات والشهوات أشد حاجة إليها لتثبيت الإيمان وترسيخ الأقدام على الطريق المستقيم . روى معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العبادة في الهرج كهجرة إلي " وفي رواية عند الإمام أحمد رحمه الله " العمل في الهرج والفتنة كالهجرة إلي "
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : (( وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه ))
2 ـ طبيعة بيت النبوة :
كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم يمثل البساطة في جمالها وعلوها والزهد في قمته والاكتفاء بالقليل مع إمكان أن يحوز الدنيا بحذافيرها صلى الله عليه وسلم لو أراد ذلك . فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصف عيش النبي صلى الله عليه وسلم قائلة : ( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض ) البخاري .
وكانت تقول لابن أختها عروة بن الزبير : كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار فقال عروة : ما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان التمر والماء إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله من أبياتهم فيسقيناه .
هذا إمام الأمة وقائدها ، هذا أفضل الخلق الشفيع المشفع فيهم يعيش هذه الحياة ، لم يفكر في الدنيا ولم تكن همه أبداً ، بقدر ما هي وسيلة للعطاء للدار الآخرة . فرسول الله ربما ربط على بطنه الحجر من الجوع وربما أخرجه الجوع من بيته روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة " قالا الجوع يارسول الله قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوموا " فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار .... فرح بهم وقال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني ثم قدم لهم عذقاً من بسر ورطب فأكلوا ثم أخذ مديته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياك والحلوب " فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا ورووا فقال رسول الله لصاحبيه : " والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " .
فهنا لم ينس صلى الله عليه وسلم أن يستغل الحدث فيذكر أصحابه ويربطهم بالآخرة !!! فأين نحن من هذا الأمر ونحن نتمتع برزق الله وأصناف الأطعمة والمأكولات ؟!! فهلا تذكرنا المساءلة عنها يوم القيامة لنقوم بشكرها ونحمد المولى على إنعامه ثم نستعين بها على طاعة الله وعبادته ؟! .
وصف لنا عمر رضي الله عنه فراش رسول الله وأثاثه فقال : ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئ على وسادة من أدَمٍ حشوها ليف فسلمت ... ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر غير أهَبَة ثلاثة فقلت : ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، وكان مئكئاً فقال : " أوَ في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " فقلت يا رسول الله استغفر لي ) ا لبخاري.
هذا كله مع جوده وكرمه وسخائه فقد كان أكرم الناس وكان يجود بما يملك حتى كان أجود بالخير من الريح المرسلة ، ولو كان عنده خزائن الأرض لجاد بها في ليلة . يقول أبو ذر رضي الله عنه ( كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء استقبَلَنا أحد فقال : " يا أبا ذر ما أحب أن أحداً لي ذهباً يأتي علي ليلة أو ثلاث عندي منه دينار إلا أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا " وأرانا بيده ) البخاري .
يخطئ كثير من الناس عندما يعتقد أن السعادة هي جمع الأموال ، وأن السعادة هي المراكب الوثيرة أو الأثاث الفاخر في البيوت أو الأرصدة المتكدسة في المصارف ، . ليست السعادة تلك التحف الجميلة التي تمتلئ بها ردهات المنزل .