الفقه
المستوى الثامن
الدرس التاسع والعشرون
بَابُ الإِقْرَارِ
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد.
نبدأ يا شيخ في آخر باب في هذا الكتاب المبارك وهو "باب الإقرار"
(باب الإقرار: وإذا أَقَرَّ المكلَّفُ الْحُرُّ الرَّشِيد الصَّحِيح المختار بحقٍّ أُخِذَ به، وَمَن أَقَرَّ بدراهِمَ ثم سَكَتَ سُكُوتًا يمكنه الكلامُ فيه، ثم قال: زُيُوفًا أو صِغَارًا أو مُؤَجَّلَة لِزَمَتْهُ جِيادًا وَافِيَة حَالَّة، وإن وصفها بذلك مُتَّصِلاً بإقراره لَزِمَتْه كذلك، وإن استثنى مما أَقَرَّ به أَقَلَّ من نِصْفِه مُتَّصِلاً به صَحَّ استثناؤُه، وإن فَصَلَ بينهما بسكوتٍ يمكنه الكلام فيه، أو بكلام أجنبي، أو استثنى أكثر من نصفه، أو من غير جنسه لَزِمَه كله، ومن قال له: عَلَيَّ دراهم ثم قال: وديعة، لم يُقْبَل قولُه، ومَن أَقَرَّ بدراهِمَ فأقلُّ ما يَلْزَمُه ثلاثةٌ إلا أن يُصَدِّقَه المقَرُّ له في أَقَلَّ منها، ومَن أَقَرَّ بشيء مُجْمَل قُبِلَ تفسيرُهُ بما يَحْتَمِله).
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير، والسراج المنير وعلى آله وأصحابه ومن اتَّبَع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
هذا "باب الإقرار" وهو آخر أبواب هذا المتن المبارك والكتاب الماتع؛ كتاب «عمدة الفقه» للإمام ابن قدامة -رحمه الله- وخَتَمَ المؤلف -رحمه الله- كتاب الفقه بباب الإقرار، ومن أهل العلم من الْتَمَسَ في ذلك نوعًا من المناسبة فقال: إن الإقرار هو آخر ما يُطلب من الإنسان، فإنه (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، نسأل الله أن يختم لنا وإياكم بالصالحات وأن يدخلنا مُدْخَل صدق وأن يُخرجنا مُخْرَج صدق، على كل حال بِغَضِّ النظر عن صحة هذه المناسبة ومطابقتها إلا أن باب الإقرار يتصل بباب القضاء، ويتصل بكتاب الشهادات، وذلك أن وسائل الإثبات فيما يتعلق بالحقوق وغيرها تكون بالشهادات وتكون باليمين وتكون بالإقرار، فالإقرار هو وسيلة من الوسائل التي تَثْبُت بها الأشياء، والإقرار مأخوذ من القرار في اللغة وهو الثبات، وهو يدل على استقرار الشيء ومنه "ماء قَارّ"؛ أي ثابت، فإنه لا يُوصف بهذا الوصف إلا ما كان مستَقِرًّا ثابِتًا، فالقَرَار والإقرار وما يَتَّصِل بهذه الكلمة من مشتقات تدل على ثبات الشيء.
أما بالنسبة لمعناه في الاصطلاح فإن الإقرار هو: إخبار الإنسان بثبوت شيء لغيره عليه، وهنا يتبين الفرق بين الإقرار والشهادات، فالشهادات هي إثبات شيء على الغير، والإعلام بثبوت حق على غيره، وأما بالنسبة للإقرار فهو إعلام بثبوت شيء عليه لغيره، والإقرار هو وسيلة من وسائل الإثبات، دَلَّ على ذلك كتاب الله -جل وعلا- وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجمع على ذلك أهل العلم، فلا خلاف بينهم في اعتبار هذه الوسيلة من وسائل الإثبات، والله تعالى قد أخذ الميثاق على أشرف الخلق وهم الأنبياء، ففي أشرف المأخوذات وهو التوحيد وفيما يتعلق أيضا بالرسالة