نقف متأثرين جميعا حيال هذه المصيبة المريرة التي مني بها العديد من شبابنا بل وبعض الشابات هذه الأيام إنها بلية المخدرات التي باتت تحطم الفرد والأسرة والمجتمع، فهل هي حقيقة تلك الجملة التي نتحدث بها: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، أجل أنها حقيقة يعرفها كثير من الناس ولكنهم يتجاهلونها، ويغض البعض من قيمتها وأهميتها! من منا لا يريد أن يكون صحيحا في بدنه معافى يعيش الحياة بكل سرورها وزينتها آخذا بقوله تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.." "الأعراف: 32" وقوله: (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) "الأعراف: 157".
وما أدراك ما الخبائث؟ إنها كل ضار للدين والعقل والنفس والعرض والمجتمع، وعلى رأسها الخمر والمخدرات المقيسة عليها حيث أنها تذهب بالعقل وتؤذي الجسم فتسبب أمراضا خطيرة لذا حرمها الإسلام تحريما قاطعا نظرا لآثارها السيئة في نواح عديدة، وفي عصرنا الحاضر هذا نلحظ أن معظم الشباب الذين يشعرون بالفراغ الروحي يميلون إلى الهروب من الواقع إلى عالم التهويم والمخدرات بكل أنواعها ابتداء من التدخين إلى الحشيش والأفيون والخشخاش والكوكايين والقات والمهلوسات النفسية والمنومات والبنج والكحول والهرويين والمورفين وكل ما أدى إلى التخدير والتفتير والإسكار أو قام بمثل هذه الآثار مما سميت بأسماء أخرى ولكنها تحدث الأمراض الفتاكة.
عجيب أمر هؤلاء الشباب الذين يظنون أن نجاتهم في اللجوء إلى تعاطي هذه السموم، ألم يدركوا أن أخطارها اشد من أي أسلحة مدمرة؟! ألم يتعظوا بما يحدث لأمثالهم من كوارث بسببها؟ كيف يرتضون لأنفسهم أن يضحوا بنعمة العقل والجسم والنفس والمال من أجلها يا لشدة غبائهم.
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا
عشت في أكلها بأقبح عيشه
قيمة المرء جوهر فلماذا
يا أخا الجهل بعته بحشيشه
أليست هذه المخدرات هي التي تدمر شخصية المدمن عليها حتى تصل به إلى حالة القلق المستديم وتدهور التوازن في التفكير والتهويم فيه حتى إنه ربما يرى جبلا فيظنه أفعى، أو يرى كلبا فيظنه أسدا وربما وصل به الإدمان إلى الجنون أو الانتحار وهذا ما يحدث فعلا في عصرنا هذا.
أما بالنسبة للمجتمع فإن تعاطي هذه السموم قد أدى إلى الدواهي الكثيرة الهائلة المرعبة حتى اطلعنا أن ثلاثين في المائة من الجرائم الاجتماعية في العالم الغربي إنما تعود إلى المخدرات، فكيف لا نخشى على مجتمعاتنا وقد تنامت هذه الظاهرة فيها، ولذلك فإنه لما أدركت الدول والمجتمعات هذه المضار الناجمة عنها حاربتها ولاحقت المهربين والمروجين وضيقت عليهم الخناق حتى في البلاد الإباحية، وشرعت البلاد العربية والإسلامية عقوبات وصلت في بعضها إلى حد القتل تعزيراً، ولكنه مع ذلك لم تتغافل عن إنشاء المراكز الصحية لمساعدة المدمنين كي يتخلصوا من هذا الداء الوبيل وكذلك فإنه مازالت المؤتمرات والندوات تعقد لتوعية الجيل بهذا الخطر الماحق، وإننا نرى أن الرجوع إلى التمسك بأهداب شريعتنا الغراء وأخلاقها الحميدة هو الذي يقوي الوازع الديني للإقلاع عن هذه العادات المحرمة المرذولة حتى نعود بحق جيلا متميزا متفوقا يتربى من جديد في مدرسة الإسلام وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم لنسعد في الدنيا والآخرة.
وإن مما يعين على نبذ هذه العلة ما نطلع عليه من قصص ميدانية جرت في حياة المدمنين دمرتها وتركت آثارها عبرة لأولي الألباب فمنها قصة شاب وقع في شباك الرفقاء الأشقياء الذين استجروه بعد أن كان تقيا- إلى مصيدتهم وقد تبين في النهاية انهم يريدون شرف أمه المتبرجة، وقد حدثني بها القاضي الذي حكم في القضية في بلد عربي مسلم نشعر بهول المصيبة وفداحة الجناية: